Home/

مارون عبود – في النقد الأجتماعي

مارون عبود – في النقد الأجتماعي

$38.00

مؤلفات مارون عبود – في النقد الأجتماعي – المجلد الثالث

Description

كتاب مؤلفات مارون عبود المجموعة الكاملة في النقد الأجتماعي – المجلد الثالث – دار مارون عبود
Hardcover book, 25×18 cm, 728 pages

هذا مذهبي

مذهبي في الحياة أن لا مذهب لي فيها . فكل أعمالي خبص في خبص. ما أريده لا أفعله ، والشيء الذي لا أريده، إياه أصنع . احسبني كرة في يد لاعب جبار يقذفها في الفضاء ، فلا هو ولا هي تدري أنى تتوجه وأين يكون مستقرها . فالحياة في نظري لعبة تتلهى بها قوة سرمدية أزلية ، التخرج منها اغاطاً لا تدرك، ولا يزال في قراراتها غرائب وعجائب لا نهاية لها ، كلما تزاوجت أنسلت أقزاما وعماليق، وكلما انفعل الكائن الأزلي تفجرت قواه اللامتناهية وانبثق إلى الوجود ما يحير كل موجود.

في مذهبي ان الدماغ البشري هو المستودع النائمة فيه ، إلى حين ، أسرار الطبيعة ، وقد عاينته ، يبرزها إلى الوجود واحداً واحداً في سبعين عاماً فما كان مستحيلاً أمسى ممكنا.

لا أتمثل الحياة إلا مدرسة لا نهاية لدروسها ، خريجها يتوارى في الظلمة قبل أن يرى النور الذي ينتظر . ومع ذلك أراني أؤمن بالحياة إيماناً عميقاً لا قرار له ، وأحبها محبة كلية ولكنها بدون رجاء.

أؤمن بالإنسان ، ابنها الوحيد ، الخالق الأعظم المنبثق من الأرض والسماء ، فهو جرم أرضي سماوي في وقت معاً. إني أرى الأرض مصدر كل خير وبركة ، ومع ذلك يكفر بها الناس ، وينكرون فضلها عليهم ، ويفتشون عن سعادتهم في غيرها. أما أنا فمذهبي في الحياة هو مذهب طرفة القائل :

فإن كنت لا تستطيع دفع منيتي     فدعني أبادرها بما ملكت يدي
لا أؤمن الا بأني سوف أموت ،     ولا يعنيني كل ما يقال عني بعد ذلك

مذهب غيري : القناعة غنى . أما أنا فشعاري الطمع في هذه الحياة ، وأرى القناعة من طباع البهائم . أنا في محبة الدنيا على دين معاوية ، أود لو تكون في يدي بيضة نمبرشت فأحسوها كما هي دفعة واحدة .

مذهبي في الحياة أن أعمل دائماً ، وهمي أن أسبق من قبلي وأعجز من بعدي، ولكن يا ليت

أكره القمر ولا أفرح بولادته لأنه بشير زوال، وأنا لا أريد أن أزول قريباً. وأحب الشمس لأنها رمز الديمومة .

أتعد هذا فلسفة ؟ أنا لا فلسفة لي في الحياة ، ولا أؤمن بالفلسفة . وأعتقد أنني حجر في مقلاع الجبار العنيد . فتارة يضربني وآونة يضرب بي ، فخير ما أعمل هو أن أعمل بلا انقطاع لأجد اللذة فيها أعمل لا في ما أفكر .

لي في حياتي مذاهب تتغير وتتقلب مع الأنوار والظلمات ، ومع الحر والبرد، و في العسر واليسر ، ولكن الشيء الذي لا يتغير هو الانصراف إلى العمل الذي ينسيني جميع شؤوني وشجوني .

فكل أمنيتي ألا أذيب شخصيتي في مستنقعات الآخرين، وأن أظل منسجما مع ذاتي ، وأن أبقى ساذجاً لا تكلف ولا تعقيد في حياتي . وألا أتخلى عن شيء من بساطة أورثنيها المربي . فأكره شيء إلى التقليد .

لا تسلني عن مذهبي في حياتي لأني لا أعرف ذلك المذهب لأحدثك عنه فكل ما أعرف أنني بدلت أثواباً كثيرة ، ولم يبق لي ثوب لأقول هذا يعجبني، فأمري ليس في يدي .

فكل ما أعرفه هو أنني نشأت نشأة زميتة في كنف رجل يرى الضحك جريمة ، فكان يهز لي العصا كلما خف وقاري ، فأعود إلى الترصن. وكان صباي وشبابي رصانة لا قيمة لها لأنها مصطنعة وضد طبعي ، فأضعت ذاتي زمناً طويلاً ولم أعثر عليها إلا في ظهر العمر ، وصرت أخيراً كما يقول أبو نواس : وشيبي بحمد الله غير وقار .

أرأيت انني ، كما قلت لك ، مسير لا يخير . كثيراً ما أحاول أن أعدي عن الهزل ، ثم لا أجدني إلا انبريت له ، فكأني أو كأن الحياة تريد أن تعوض علي ما حرمته في صباي وفتوتي .

ذر النفس تأخذ وسعها قبل بينها     فمفترق جاران دارهما العمر

يظهر أن هذا الضحك نافعي . يجب أن نضحك كثيراً حتى نقابل جهومة الشيخوخة العتيدة ، ونرعبها فترتد على أعقابها وتختفي علاماتها من أمام أعيننا.

ومذهبي الأخير ، أقول الأخير الآن ، فربما كان لي غداً مذهب غير هذا ، هو أن أستهزىء بالموت . وإني لأعجب كيف يخاف الموت من لا يرى أمامه حقيقة ثابتة غيره . نعلم أننا ميتون ، وإذا حصل الموت قمنا وقعدنا وتفجعنا كأنما قد حلّ بنا أمر غير منتظر ولا مقدر . فمن لي بمن يضحك ويقهقه يوم أتوارى لتقر بذلك عيني وتطيب نفسي كممثل هزلي يسدل عليه الستار بين تصفيق النظارة وعربدتهم الضاحكة. وهل الحياة غير رواية هزلية ؟!

لا أتمنى على جسدي إلا أن يظل خادماً أميناً لما خلق له . وألا ينذرني قبل أن يخذلني، وإن كان لا بد من عمر طويل فأرضى أن أعيش ما ظللت قادراً على العمل … ولو كنت واثقاً من أنني أطالع وأكتب في دنياي الجديدة لما طلبت المزيد من حياتي هذه . ولكنني أخشى أن يصح ما يقولون : وأمسي وأصبح في جنة لا عمل فيها . من هذا خوفي لا من الموت .

يشغل بال البشرية تطويل العمر. أما أنا فأرى أن محاولة هذا التطويل تحول دون التمادي في العمل ، والذي يستريح ليطيل عمره يكون قد قصره من حيث لا يدري ، فالعمر الذي لا يملأه العمل هو عمر أجوف كالقصبة . ولعل لي رأياً يخالف رأي غيري . فأنا لا أشغل نفسي بإصلاح ما بعد عني إلا بعد ما أصلح ما قرب مني ، وأبدأ بنفسي . ولذلك أحاول دائماً أن أنمي رأسمالي الأدبي لعلمي الأكيد أن ما يبنيه الاتفاق يهدمه الاستحقاق .

وأخيراً لست أدري إذا كنت أعربت عن مذهبي . ولكن من أين لي المذهب وأنا – كما قلت – تلك الكرة التي تتقاذفها يد القدر . ما قالت الناس عبثاً : نحن في التقدير والله في التدبير.

فليدبر ما شاء ، وإذا حالت مشيئته دون مرامي فما في ذلك كبير شأن ما زلنا نقول : إنه ضابط الكل ، ووسع كرسيه السموات والأرض.

تقع المسؤولية علينا لإرسال الكتاب الذي تطلبه، من خلال بريد سريع برقم تتبع ، مما يضمن استلام الطرد. قد يستغرق وصول الكتاب ما بين يومين وخمسة أيام ، وفقًا للبلد الذي تم إرسال الكتاب إليه.

Additional information

Weight 1.5 kg
Dimensions 1 × 1 × 1 cm